المشاركات

"بلادُ العُربِ أوطاني"

من منطلق قصيدة "أنا العربيُّ في بغدادَ لي نخلٌ ** وفي السودانِ شرياني" أستحضرُ تاريخنا العربيُّ.. ربيعنا العربيّ، أرضنا، أمجادنا وحضارتنا التي إن أعيا الكُتبَ تأريخها فلم يُعيِ الطبيعة ذلك! أن يُعيدني الزمن إلى ذاك الربيع فأستظلّ تحت شجرة الياسمينِ في درعا، أتغنّى بأبيات نزار في دمشقٍ وأعزفُ النّايَ في حلفا، أن أحضُنَ خيوط الشمسِ في بعلبك وأُغنّي الحُبّ في تونس، أجدّفُ في سواحل عدن وتحطُّ رِحالي في سبأ، أتلمّسُ الصخورَ في البتراءِ وأستنشقُ النسيم في الفراتِ، أقرأُ الشِّعر في الكوفة وأجوبُ الأسواق في البصرة. أُبحرُ في ساحل عُمان وأسقي الزّهر في عمّان فأنزلُ في سقطرى ثم أُصلّي الفجر في المقدس! أقطفُ الزيتون في حيفا وأشاهد الدبكة في يافا، ثم أردد أبيات درويش.. وأنا أشتمُّ رائحة الخبزِ في عكّا. أُسامرُ الليل في النيل وأحتسي القهوة في صنعاء مع التمر في الأحساء، أطوفُ في مكة وأسعى بين الصفا والمروى، فأعودُ محمّلةً تاريخًا ومجدًا، حضارةً وإرثًا -أستمع إلى قصيدة البارودي- ومسامعي ترقصُ طربًا!  أجَزتَ يا بارودي: "بلادُ العُربِ أوطاني"

عن عمره.. فيمَ أفناه؟

بسم الله هذا العمر يمضي وبسم الله هذا الصبح أشرق! وتمضي الشهور والسنون وختامُ المطاف قد اقترب! كنا صغارًا تردد ألسنتنا “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” وما إن كبرنا أدركنا وجه الشبه الكامن في سرعة المضيّ، المضي الذي لا عودة منه، فالدقيقة التي تقرأ فيها الآن ذاهبة، وستعقبها أخرى لتُنهي ساعة، فيمر يومٌ ويمرَّ شهرٌ وتمرّ سنة! وتمضي هذه الأوقات من أعمارنا لتقرّبنا شيئًا فشيئًا من آجالنا، فمتى أدركنا قيمة هذا الوقت واجتنبنا إهداره ذُلّلت لنا سبل النجاح والفلاح. ولا يخفى علينا جميعًا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟” والحديث فيه إرشادٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُمَّتِه إلى اغتِنامِ الفُرَصِ في الحياةِ؛ لِلعَمَلِ لِلآخِرةِ بِـمَلْءِ الأوقاتِ بالطَّاعاتِ؛ لِأنَّها هي عُمُرُ الإنسانِ في الدُّنيا، وذَخيرَتُه في الآخِرة. وأشرف ما تُصرف فيه الأوقات طلب العلم، ذلك أن العلم الشرعي يدل على ال...

نعمةُ البلاء!

تتعدد أشكال النوازل والبلاء ومن الزللِ حصرها على مرضٍ أو كربٍ أو فقْد، فقد يكون البلاءُ نفْسًا جَزِعة أو ربما أمّارةً بالسوء! أما  وقْع البلاء في نفوسنا فيختلف رغم اتفاقنا على حميدِ عقباهُ للمبتلى المؤمن الصابر، وهذا مما يُشكَل علينا استحضاره حين نزول البلاء، فاقتصار معرفة الحكمة منه لا تكفي ما لم تتمثل أفعال المبتَلى تلك المعرفة، فيتحرى الصبر وإن طال بلاؤه ولا يجزعنّ ويسخط، مستحضرًا قوله  ﷺ   : " إن أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأَمثل فالأَمثل؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ" فحسبُك بهذه المنزلة وازعًا للصبر! والبلاء ليس إلا امتحانٌ للعبد، فإن صبر ظفر وإن سخط خسر، وهو علامة حبٍّ من الله، ففي الحديث الصحيح: "إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" أما السلف فقد كانوا يستبشرون بقدوم البلاء ويؤرّقهم الرخاء،  فقد كان القا...

الذنبُ جِبِلّة

من طبيعة بني آدم أنك لا تجد فيهم من هو في محل الوعظ والرشد على الدوام، كلنا نعظُ في أمور ونذنب في أمور أخرى، والوقوع في الذنب ليس مما يُنكر على المرء وإنما عدم محاولة النهوض هو ما يُنكر ويؤثم عليه، ومدى الوقوع هو ما نتفاوت فيه، فمنّا من يذنب الذنب صغيرًا يحسبه فتزلّ قدمه فيعاود النهوض، ومنا من يقع وقعةً تكسرُ ساقه لشدة ذنبه، فيجدّد إيمانه وينهض بالأخرى، ومنا من يكسرُ الذنب كلتا ساقيه، فيقذف الله في قلبه نور الهداية، فينهض بذلك القلب، لا بالساقين!

لا تذم طفلًا في وجهه؛ الأطفال لا ينسون!

في السابعة من عمري، وفي طريق العودة من مسجد حيّنا الذي نتدارس فيه القرآن كل غرة عصر، عائدةً برفقة أختي التي تكبرني ستة أعوام وصديقتها، وبينا نحن نمشي لمحتُ ابنة جارنا التي تصغرني سنًّا فوق سطح منزلهم غير المسوّر تركض وتلعب -وكانت قد تغيبت يومها عن المسجد- فصرختُ لأختي: "شما..شوفي نور!!" كنتُ طارحةً يدي على قلبي فزعًا؛ يخيّل إلي وقوعها من أعلى السطح، ردت أختي: "خليها تلعب شوي وبتنزل" -لِما عُرفت به نور من شقاوة-. أكملنا الطريق وإذ بصديقة أختي تشير إلي محدِّثةً أختي: "أختج حقودة.. حاسدة البنت إنها غايبة وتلعب" كنتُ طفلة، وكانت الكلمة تكبرني أعوامًا، فلم أكن أعرف معنى الحقد آنذاك إلى أني أدركتُ قبحه! أكملت الطريق وكأنّ شيئًا لم يكن، بينما ظل دويُّ هذه الكلمة في أذني.. حتى اليوم.

مما قالت العرب: "الغداءُ بالفناء"

  المروءة.. آدابٌ نفسانيَّةٌ تحمل الإنسان على الوقوف عند محاسِن الأخلاق وجميل العادات، وهي كمال الرُّجولة. وقد قيل: "هي اجتناب الرجل ما يشينه"، أو كما عرّفها بعض السلف: " ألّا تعمل في السرِّ شيئًا تستحي منه في العلانية ". وقد تميزت وتفردت بها العرب بين الأمم منذ سالف الزمن، وكانت ولازالت من أبرز وأجلّ سمات الرجل العربي التي عُدت معيارًا يقيس مدى رجولته وشهامته، فبرزت جليّةً في الجاهلية؛ ودل على ذلك ما جادت به قرائح الشعراء في هذا السياق كعنترة حين أشار إلى أن إطلاق النظر من خوارم المروءة فقال:  وأغضُّ طَرفيَ إن بدتْ ليَ جارتي                                  حتى يواريَ جـارتي مـأواها وكذا نظَم عروة بن الورد بيتًا مشابهًا له: وإن جارتـي ألـوَتْ ريـاحٌ بِـبيتها                                   تغافلتُ حتى يسترَ البيتَ جانبُهْ ونشيد إلى أنّ الإسلام جاء وعزز منها ووصى بالتحلي والتطبع بها؛ ففي أسمى معانيها يتجلى ل...

الطُف بقلبك، واختلط بالناس!

  لا يروّج لحب الوحدة واعتزال الناس إلا الذين أُجبروا عليها، ولو قُدّر لهم اختيار صحبة  أو  محيط أو بيئة يختلطون بها لما ترددوا في ذلك، ظاهرة الترويج للوحدة على أنها  مطلب  للروح ومنطلق للسمو بالنفس ظاهرة لا تمت للصحة بصلة، المثالية في المشاعر كاذبة  فأنت كإنسان مهما بلغت من الصلابة والمقاومة مبلغًا لا بد وأن تتعثر، لا بد وأن  يثقل  كاهلك يومًا، لستَ مجبرًا على إظهار خلاف ما تُبطن؛ فطريق الحياةِ وعر وإدراكه  بلا  مشاقّ أمرٌ أشبه بالمستحيل، وما يعينك على تخطي هذه المشاق هو إيمانك  بالله؛  بتمهيده  وعورة طريقك.. ثم بمن هم حولك! بتربيتهم على كتفيك، بإنصاتهم  إليك،  بطمأنتهم إياك، باتخاذك أكتافهم متّكأً. فلا تغتر بزخرفة القوم للوحدة، وحدهم  من  جربوها يدركون مُر مذاقها! فالطُف بقلبك، واختلط بالناس!