عن عمره.. فيمَ أفناه؟

بسم الله هذا العمر يمضي وبسم الله هذا الصبح أشرق! وتمضي الشهور والسنون وختامُ المطاف قد اقترب!

كنا صغارًا تردد ألسنتنا “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” وما إن كبرنا أدركنا وجه الشبه الكامن في سرعة المضيّ، المضي الذي لا عودة منه، فالدقيقة التي تقرأ فيها الآن ذاهبة، وستعقبها أخرى لتُنهي ساعة، فيمر يومٌ ويمرَّ شهرٌ وتمرّ سنة! وتمضي هذه الأوقات من أعمارنا لتقرّبنا شيئًا فشيئًا من آجالنا، فمتى أدركنا قيمة هذا الوقت واجتنبنا إهداره ذُلّلت لنا سبل النجاح والفلاح.


ولا يخفى علينا جميعًا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟” والحديث فيه إرشادٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُمَّتِه إلى اغتِنامِ الفُرَصِ في الحياةِ؛ لِلعَمَلِ لِلآخِرةِ بِـمَلْءِ الأوقاتِ بالطَّاعاتِ؛ لِأنَّها هي عُمُرُ الإنسانِ في الدُّنيا، وذَخيرَتُه في الآخِرة.

وأشرف ما تُصرف فيه الأوقات طلب العلم، ذلك أن العلم الشرعي يدل على الله ويقود إلى معرفته وخشيته، فالاجتهاد في تحصيل العلم والعمل خير ما تُفنى به ساعات العمر؛ فالعلم “يبني بيوتًا لا عماد لها ** والجهل يهدم بيوت العزِّ والشرفِ” كما وصفه حافظ إبراهيم. وكذا نظم الزهاوي:

إِذا ما أقامَ العلمُ رايةَ أمةٍ     فليس لها حتى القيامةِ ناكسُ

تنامُ بأمنٍ أمةٌ ملءَ جفنِها    لها العلمُ إِن لم يسهرِ السيفُ حارسُ


ومما استعاذ منه نبينا صلى الله عليه وسلم الكسل، قوله ﷺ: “…وأعوذ بك من العجز والكسل” فهو العدو الأول للوقت وهادمه! وتبعاته التأجيل والتسويف والتفريط والتقصير، فحريٌّ بنا ملازمة هذا الذكر ضمن أذكار اليوم والليلة؛ لأن العبد مهما بلغ من النشاط والاجتهاد مبلغًا فإنه يبقى مفتقرٌ إلى إعانة الله وتوفيقه.

والمتأمل في قول الحسن البصري -رحمه الله- يجد فيه من الحكمة الشيء الكبير، يقول: “يا ابنَ آدم إنّما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك” والحقيقة أننا بضعةُ أبعاضٍ تتجزّأ في عمرنا فيقتصّ كل يومٍ جزءٌ منا حتى لا يُبقِ منا شيئًا.


والمؤمن -ما حيي- في سباقٍ مع الوقت، يقول عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-: “ابن آدم إن الأيام تعمل فيك فاسبقها واعمل فيها” ويقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: “ما ندمت على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي”.

فالمؤمن مكلّف بإعمار وقته بما يرضي الله وما فيه خير وصلاح لدينه ودنياه، ويحصل هذا بدوام استحضاره للحكمة من وجوده، وهي عبادة الله وحده. ولا تقتصر العبادة على الفرائض فحسب، فهي إما تندرج إلى عباداتٍ قلبية أو بدنية أو مالية، وتقتضي أركانًا ثلاثة، الحب والرجاء والخوف، ويُحكم عليها بالصحة وفقًا لإخلاص النية، فمتى خلصت النية صحّ العمل ومتى فسدت بطل.


وأختم بقول الإمام الشاطبي -رحمه الله-:

وَلَوْ أَنَّ عَيْنًا سَاعَدتْ لتَوَكَّفَتْ          سَحَائِبُهَا بِالدَّمْعِ دِيمًا وَهُطّلاَ

وَلكِنَّها عَنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ قَحْطُهاَ        فَيَا ضَيْعَةَ الأَعْمَارِ تَمْشِى سَبَهْلَلاَ

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"بلادُ العُربِ أوطاني"

﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ﴾

لا تذم طفلًا في وجهه؛ الأطفال لا ينسون!