نعمةُ البلاء!

تتعدد أشكال النوازل والبلاء ومن الزللِ حصرها على مرضٍ أو كربٍ أو فقْد، فقد يكون البلاءُ نفْسًا جَزِعة أو ربما أمّارةً بالسوء! أما وقْع البلاء في نفوسنا فيختلف رغم اتفاقنا على حميدِ عقباهُ للمبتلى المؤمن الصابر، وهذا مما يُشكَل علينا استحضاره حين نزول البلاء، فاقتصار معرفة الحكمة منه لا تكفي ما لم تتمثل أفعال المبتَلى تلك المعرفة، فيتحرى الصبر وإن طال بلاؤه ولا يجزعنّ ويسخط، مستحضرًا قوله  : "إن أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأَمثل فالأَمثل؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ" فحسبُك بهذه المنزلة وازعًا للصبر!


والبلاء ليس إلا امتحانٌ للعبد، فإن صبر ظفر وإن سخط خسر، وهو علامة حبٍّ من الله، ففي الحديث الصحيح: "إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحبّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط"


أما السلف فقد كانوا يستبشرون بقدوم البلاء ويؤرّقهم الرخاء، فقد كان القاضي شريح يصاب بالمصيبة فيحمد الله عليها، حتى أنهم كانوا يعدون الابتلاء بالجوع كرامة، وقد ابتُلي الفضيل بالجوع فقال: إلهي أجعتني وأجعت عيالي ، فبأي وسيلةٍ نلتُ هذا منك؟ وإنما تفعل هذا بأوليائك، فليت شعري هل أنا منهم فأفرح.


ولسفيان الثوري رحمه الله منهجًا في هذا حيث يقول: "لم يفقه من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة!" أي أن العبد إذا استكمل حقائق اليقين صار البلاء عنده نعمة والرخاء عنده مصيبة؛ لأن البلاء يرده إلى معبوده، والرخاء يشغله عن معبوده، فلولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليسُ!


وهنا لطيفة وبشارة يذكرها لنا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: الله عنده من المنازل العالية في دار كرامته ما لا ينالها إلا أهل البلاء! "فعجبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أَمرَهُ كُلهُ له خير، إِن أَصابته سَرَّاءُ شَكَرَ فكان خَيْرًا له، وإن أصابته ضَرَّاءُ صبر فكان خيْرًا له".


فما على المؤمن إلا التصبّر ابتغاءً فيما عند الله، وما عند الله خيرٌ وأبقى! فإن في البلاء نِعَمًا لا ينبغي للعاقل أن يجهلها، فهي تمحيصٌ للذنوب وإيقاظٌ من الغفلة، وتذكيرٌ بالنعمة واستدعاءٌ للتوبة؛ فاللهم ربّنا أفرغ علينا صبرًا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.


تعليقات

  1. مقالة رااائعة
    مبدعة دائما يا مريم

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"بلادُ العُربِ أوطاني"

﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ﴾

لا تذم طفلًا في وجهه؛ الأطفال لا ينسون!